الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
وَجَعَلَ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلَهُ تعالى: {اسكن أنت وزوجك الجنة} قَالَ: لِأَنَّ فِعْلَ أَمْرِ الْمُخَاطَبِ لَا يَعْمَلُ فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ عَلَى مَعْنَى: (اسْكُنْ أَنْتَ وَلْتَسْكُنْ زَوْجُكَ) لِأَنَّ شَرْطَ الْمَعْطُوفِ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِأَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مَا عَمِلَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: (اسْكُنْ زَوْجَكَ).وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا تضار والدة بولدها ولا مولود} وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ (مَوْلُودٌ) مَعْطُوفًا عَلَى (وَالِدَةٌ) لِأَجْلِ تَاءِ الْمُضَارَعَةِ أَوْ لِلْأَمْرِ فَالْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُقَدِّرَ مَرْفُوعًا بِمُقَدَّرٍ مِنْ جِنْسِ الْمَذْكُورِ أَيْ وَلَا يُضَارُّ مَوْلُودٌ لَهُ.وقوله تعالى: {والطير}، قَالَ الْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ: (وَسَخَّرَنَا لَهُ الطَّيْرَ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: {فَضْلًا} وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ، ومن رفعه فقيل: على المضمر في (آتى)، وَجَازَ ذَلِكَ لِطُولِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: (مَعَهُ)، وَقِيلَ: بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ وَلِتُؤَوِّبَ مَعَهُ الطَّيْرُ.
وَلَمْ يَقُلْ: (يَعَاصَا).وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لم تروها} وقد جعل ابن لأنباري فِي كِتَابِ (الْهَاءَاتِ) ضَمِيرَ {لَمْ تَرَوْهَا} رَاجِعًا إِلَى الْجُنُودِ.وَنُقِلَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا بِمَا سَبَقَ.وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يرضوه إن كانوا مؤمنين} فَقِيلَ (أَحَقُّ) خَبَرٌ عَنْهُمَا وَسَهُلَ إِفْرَادُ الضَّمِيرِ بِعَدَمِ إِفْرَادِ (أَحَقُّ) وَأَنَّ إِرْضَاءَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إِرْضَاءٌ لِرَسُولِهِ.وَقِيلَ: (أَحَقُّ) خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُذِفَ مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ.وَقِيلَ: الْعَكْسُ، وَإِنَّمَا أُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِئَلَّا يُجْمَعَ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي ضَمِيرٍ وَاحِدٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدْ يَقْصِدُونَ ذِكْرَ الشَّيْءِ فَيَذْكُرُونَ قَبْلَهُ مَا هُوَ سَبَبٌ مِنْهُ ثُمَّ يَعْطِفُونَهُ عَلَيْهِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ إِلَى الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ سَرَّنِي زَيْدٌ وَحُسْنُ حاله والمواد حسن ماله وَفَائِدَةُ هَذَا الدَّلَالَةُ عَلَى قُوَّةِ الِاخْتِصَاصِ بِذِكْرِ الْمَعْنَى وَرَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَيَدُلَّ عليه ما تقدمه من قوله: {والذين يؤذون رسول الله}، وَلِهَذَا وَحَّدَ الضَّمِيرَ وَلَمْ يُثَنِّ.وَمِنْهَا قَوْلُهُ تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عنه}.وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ}، فَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ وَقِيلَ أَعَادَهُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ الْمَفْهُومَةُ مِنَ استعينوا.وقيل: المعنى على التثنيةوحذف مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ.وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا}، وَهُوَ نَظِيرُ آيَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا سَبَقَ.وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَطِيفَتَانِ: وَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا اقْتَضَى إِعَادَةَ الضَّمِيرِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَعَادَهُ فِي آيَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ وَمُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا أَجْذَبُ لِلْقُلُوبِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ مِنَ اللَّهْوِ لِأَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِالتِّجَارَةِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُشْتَغِلِينَ بِاللَّهْوِ أَوْ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ نَفْعًا مِنَ اللَّهْوِ أَوْ لِأَنَّهَا كانت أصلا واللهو تبعا لأنه ضرب بالطبل لِقُدُومِهِ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: «أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ»، وَأَعَادَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يكسب خطيئة أو إثما} عَلَى الْإِثْمِ رِعَايَةً لِمَرْتَبَةِ الْقُرْبِ وَالتَّذْكِيرِ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ.وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أَيْ بذلك القول.
أَيْ هِزَّةٌ بَعْدَ انْتِفَاضَةٍ كَمَا انْتَفَضَ الْعُصْفُورُ بَلَّلَهُ الْقَطْرُ ثُمَّ اهْتَزَّ. كَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ.وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الصَّائِغِ، وَقَالَ: هَذَا التَّقْدِيرُ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَوْ يَكُونُ لَكَانَ خُلْفًا وَإِنَّمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَيْهِ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِدْخَالِهَا خُرُوجَهَا، وَ: (يَخْرُجُ) مَجْزُومٌ عَلَى الْجَوَابِ فَاحْتَاجَ أَنْ تُقَدِّرَ جَوَابًا لَازِمًا وَشَرْطًا مَلْزُومًا حَذْفًا لِأَنَّهُمَا نَظِيرُ مَا ثَبَتَ لَكِنْ وَقَعَ فِي تَقْدِيرِ مَا لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنْ أَدْخَلَهَا تَدْخُلُ لَكِنَّهُ قَدْ يُقَدِّرُهُ تَقْدِيرًا بَعِيدًا وَهُوَ أَدْخِلْهَا تَدْخُلُ كَمَا هِيَ وَأَخْرِجْهَا تَخْرُجُ بَيْضَاءَ وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَيُقَالُ لَهُ: لَا يَلْزَمُ فِي الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَكُونَ اللُّزُومُ بَيْنَهُمَا ضَرُورِيًّا بِالْفِعْلِ فإذا قيل: إن جاءني زيدا أَكْرَمْتُهُ فَهَذَا اللَّازِمُ بِالْوَضْعِ وَلَيْسَ بِالضَّرُورَةِ وَالْإِكْرَامُ لَازِمٌ لِلْمَجِيءِ بَلْ لِوَضْعِ الْمُتَكَلِّمِ فَالْمَوْضُوعُ هُنَا أَنَّ الْإِدْخَالَ سَبَبٌ فِي خُرُوجِهَا بَيْضَاءَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِخْرَاجِهَا أَنْ تَخْرُجَ بَيْضَاءَ لُزُومًا ضَرُورِيًّا إِلَّا بِضَرُورَةِ صِدْقِ الْوَعْدِ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُرِدْ هَذَا وَإِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إِلَّا حَتَّى تُخْرَجَ قِيلَ هَذَا مِنَ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا مَعْنَى لِلتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ.وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وآخر سيئا}.أصل الكلام: خلطوا عملا صالحا بسيء وآخر سيئا بصالح لأن الخلط يستدعي مخلوط وَمَخْلُوطًا بِهِ أَيْ تَارَةً أَطَاعُوا وَخَلَطُوا الطَّاعَةَ بِكَبِيرَةٍ وَتَارَةً عَصَوْا وَتَدَارَكُوا الْمَعْصِيَةَ بِالتَّوْبَةِ.وَقَوْلِهِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} الْآيَةَ، فَإِنَّ مُقْتَضَى التَّقْسِيمِ اللَّفْظِيِّ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى فَلَا خَوْفَ وَلَا حُزْنَ يَلْحَقُهُ وَهُوَ صَاحِبُ الْجَنَّةِ وَمَنْ كَذَبَ يَلْحَقُهُ الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ وَهُوَ صَاحِبُ النَّارِ فَحَذَفَ مِنْ كُلٍّ مَا أَثْبَتَ نَظِيرَهُ فِي الْأُخْرَى.قِيلَ: وَمِنْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بما لا يسمع إلا دعاء}، قَالَ سِيبَوَيْهِ (فِي بَابِ اسْتِعْمَالِ الْفِعْلِ فِي اللَّفْظِ لَا فِي الْمَعْنَى): لَمْ يُشَبَّهُوا بِالنَّاعِقِ وَإِنَّمَا شُبِّهُوا بِالْمَنْعُوقِ بِهِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى: وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعِقِ وَالْمَنْعُوقِ بِهِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَلَكِنَّهُ جَاءَ عَلَى سِعَةِ الْكَلَامِ وَالْإِيجَازِ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بِالْمَعْنَى. انْتَهَى.وَالَّذِي أَحْوَجَهُ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،- وَهَذَا بَنَاهُ عَلَى أَنَّ النَّاعِقَ بِمَعْنَى الدَّاعِي وَلَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ لِجَوَازِ أَلَّا يُرَادَ بِهِ الدَّاعِي بَلِ النَّاعِقُ مِنَ الْحَيَوَانِ- شَبَّهَهُمْ في تألهم وَتَأَتِّيهِمْ بِمَا يَنْعِقُ مِنَ الْغَنَمِ بِصَاحِبِهِ مِنْ أنهم يدعون مالا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَفْهَمُ مَا يُرِيدُهُ فَيَكُونُ ثَمَّ حَذْفٌ.وَقِيلَ: لَيْسَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ إِلَّا الِاكْتِفَاءَ مِنَ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ لِنِسْبَةٍ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِالَّذِي يَنْعِقُ-وَهُوَ الثَّالِثُ الْمُشَبَّهُ بِهِ- عَنِ الْمُشَبَّهِ وَهُوَ الْكِنَايَةُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: وَمَثَلُكَ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَأَقْرَبُ إِلَى هَذَا التَّشْبِيهُ الْمُرَكَّبُ وَالْمُقَابَلَةُ وَهُوَ الَّذِي غَلِطَ مَنْ وَضَعَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ نَوْعِ الِاكْتِفَاءِ لِلِارْتِبَاطِ الْعَطْفِيِّ عَلَى مَا سَلَفَ.وَقَدْ قَالَ الصَّفَّارُ: هَذَا الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ سِيبَوَيْهِ- مِنْ أَنَّهُ حَذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ وَمِنَ الثَّانِي الْمَعْطُوفَ- ضَعِيفٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَارَ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّ فيه حدفا كَثِيرًا مَعَ إِبْقَاءِ حَرْفِ الْعَطْفِ وَهُوَ الْوَاوُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا قَبْلَهَا مُسْتَأْنَفٌ وَالْأَصْلُ مَثَلُكَ وَمَثَلُهُمْ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْأَصْلَ وَمَثَلُكُ وَمَثَلُهُمْ ثُمَّ حَذَفَ (مَثَلُكَ) وَالْوَاوَ الَّتِي عَطَفَتْ مَا بَعْدَهَا وَبَقِيَتِ الْوَاوُ الْأَوْلَى وَيُزْعَمُ أَنَّ الْكَلَامَ رُبِطَ مَعَ مَا قَبْلَهُ بِالْوَاوِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ارْتِبَاطٌ وَفِيهِ مَا تَرَى.وَقَالَ ابْنُ الْحَجَّاجِ: عِنْدِي أَنَّهُ لَا حَذْفَ فِي الآية والقصد تشبيه الكفار في عبادتهم لاصنام بِالَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ فَهُوَ تَمْثِيلُ دَاعٍ بِدَاعٍ مُحَقَّقٌ لَا حَذْفَ فِيهِ وَالْكُفَّارُ عَلَى هَذَا دَاعُونَ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ. مَدْعُوُّونَ.وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مستقيم} فَإِنَّ فِيهِ جُمْلَتَيْنِ حُذِفَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا اكْتِفَاءً بِنِصْفِ الْأُخْرَى وَأَصْلُ الْكَلَامِ: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى مِمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَهْدَى مِمَّنْ يَمْشِي مُكِبًّا!.وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ أَصْلَهُ هَكَذَا لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا بُدَّ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ.وَهَاهُنَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ هَلْ هَذَا أَهْدَى مِنْ ذَلِكَ أَمْ ذَاكَ أَهْدَى مِنْ هَذَا؟ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إِلَّا نِصْفُ إِحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ وَنِصْفُ الْأُخْرَى وَالَّذِي حُذِفَ مِنْ هَذِهِ مَذْكُورٌ فِي تِلْكَ وَالَّذِي حُذِفَ مِنْ تِلْكَ مَذْكُورٌ فِي هَذِهِ فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ مَعَ الْإِيجَازِ وَالْفَصَاحَةِ ثُمَّ تُرِكَ أَمْرٌ آخَرُ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ وَهُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ لِهَذَيْنِ الِاسْتِفْهَامَيْنِ وَأَيُّهُمَا هُوَ الْأَهْدَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْآيَةِ أَصْلًا اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ يَقُولُ الَّذِي يَمْشِي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَهْدَى مِمَّنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ.وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يخلق} وَقَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يعلمون}.
|